ولكنى وجدت الدموع تنهمر من عينى ولا استطيع ايقافها ووجدت رغبة جامحة لم استطع كبحها فى ان اكتب اليكم عن تجربتى مع شخص افتقدته ببالغ الاسى والحزن ولم اكن اتوقع ابدا ان فراق هذا الشخص سوف يكون له هذا الاثر فى نفسى
انها والدة زوجتى (حماتى)
اعرفها منذ 15 عام واحتاج الى عشرات بل مئات الصفحات لكى اسرد لكم بعضا من المواقف العظيمة لهذه السيدة رحمها الله واسكنها فسيح جناته سواء شهدت هذه المواقف بعينى ام حكيت لى من زوجتى او احدى اخواتها
اسمها صفاء ولدت 1945 تزوجت 1964 بعد تعليم متوسط من رجل يكبرها بأكثر من 15 عام فكان لها ابا عطوفا حنونا مربيا معلما قبل ان يكون زوجا طيبا
وهذه كانت كلماتها
كانت ذات 19 ربيعا حين تزوجت فتاة رقيقة هادئة لا تعى كثيرا من امور الحياة ولا مشاكلها ولا غرائبها
علمها زوجها كيف ترعى طيور الزينة التى يربيها ويعشقها وكيف تروى النباتات والزهور التى يزرعها فى الشرفة
وكيف تجيد تحضير طبق الفول المقشر صباح يوم الجمعة فضلا عن تحضير مختلف انواع السلطات و اشهى انواع المخبوزات وخلافه يعلمها كيف تنسق بيتهم (الصغير)وتجعله نظيفا انيقا لامعا بالرغم من كونه شقة صغيرة متواضعة المساحة فى حى شعبى هادئ فقد كان زوجها على حد قولها مقبلا على الحياة نزيها فى مأكله ومشربه وملبسه بالاضافة الى رقة شديدة
ياخذها معه فى المتنزهات والشواطى ومعالم مصر فى رحلات شبه اسبوعية ايام الجمع والعطلات
انجبت له البنت الكبرى 1965 ثم ولدا 66 ثم بنتا 69 ثم البنت الاخيرة 80
لا تذكر يوما ان اختلفت مع هذا الزوج الذى كان يعاملها كابنته على حد تعبيرها لا تذكر مرة ان نهرها او اغضبها تعيش معه حياة هادئة مستقرة ملؤها السعادة والبهجة فى بيتهم (الصغير)
يمر على زواجهما 17 عام من البهجة والسعادة والمرح
(ما شفتش معاه الا كل عز) كان تلك كلماتها بالنص
وفجأة تفقد زوجها فى لمح البصر اثر أزمة قلبية مفاجئة بدون مقدمات مرضية
وبعد ان انتهت مراسم الجنازة تجد نفسها محاطة بأربعة ابناء صغراهم لم تبلغ عامها الثانى بعد
فتأخذهم فى احضانها بحنانها المعهود عنها قائلة لم يمت ابوكم فأنا ابوكم وامكم وتدريجيا بدأت ملامح الانوثة فى الاختفاء من وجها المشرق الباسم دائما وبدات مواجهة الحياة وقسوتها وصعوبات تربية اربعة ابناء فى اعمار مختلفة متقاربة حرجة فى رسم ملامح رجولة على تصرفاتها وسلوكها وشخصيتها وتعاملاتها وبدات تعامل ابنائها بطريقة (السهل الممتنع) فكان حنانها وحبها لأبنائها الاربعة وعطفها عليهم مغلف بصرامة واحيانا قسوة تعوض بها غياب الاب واصبح لديها هاجس ليل نهار انها تريد ان يشب الابناء بدون ادنى احساس باليتم والحزن وغياب الاب
واجادت فى ذلك جيدا فكان ابناؤها يهابونها ويخافونها مع حبهم وولعهم بها
وكان ان اورثها زوجها بعضا من طباعه التى تمثلت فى كبرياء وعزة نفس تأبى الشكوى فضلا عن حكمة وتعقل وبعد نظر فى اتخاذ القرارات اثبتته الايام وتأصل ذلك فى شخصيتها وملامحها اذ اكتسب وجهها صرامة وهيبة فرضتها عليها الايام وقسوتها والمسئوليات وعبئها
كان بيتها المتواضع هو مكان تجمع اسرتها الكبيرة شقيقيها وثلاثة شقيقات واولادهم
الكل يسمع مشورتها والكل يسألها حين يضيق به الحال وتدريجيا يا سيدى وهذا هو كل اعجابى وتعجبى بدلا من ان تكون هذه المرأة محل عطف واحسان ومساعدة اقاربها ومعارفها وجيرانها
كانت هى على غير المتوقع والمألوف فى مثل هذه الظروف
ملجأ وملاذ وسند كل المحيطين بها
فهى من تساند اشقاءها الرجال منهم والنساء ماديا ومعنويا
وهى صاحبة الواجب لجيرانها تجدها واقفة فى المناسبات السعيدة منها والحزينه
كصاحبة بيت
تجدها فى اول المعزين عند حدوث وفاة لأحد المعارف او الاقارب او الجيران
وايضا اول المهنئين فى المناسبات السعيدة
لم ارها يوما تتألم او تشكو حتى ولو هنالك مشكلة فقد تعودت ان يشكو لها الناس ولا تشكى هى وعلى مدار الايام اصبح من الصعب عليها ان تضعف وقد رأت نفسها سندا لكل معارفها وجيرانها واقاربها
كان اول لقاء بها يا سيدى منذ 15 عام وانا اتقدم لخطبة ابنتها الثانية التى تخرجت بكلية الطب والله يا سيدى لم أحس اننى اعامل امرأة بل كان كل احساسى اننى اعامل رجلا حكيما ذو شخصية قوية خبيرة بمدرسة الحياة فضلا عن طيبة ورقة قلب متناهية وشجاعة فى الحق مثل اشد الرجال
فكانت نعم السند لى وكانت من يلتمس لى الاعذار لخطيبتى وزوجتى فيما بعد حينما يصدر منى تصرف يغضب زوجتى
وكانت تستطيع باجادة اقناع من حولها بحجتها شهدت لها المواقف الكثيرة فكانت هى التى تحكم بين من يحدث بينهم خلاف فى المحيط الاسرى وهى التى يتجمع عنها الجيران لاسباب كثيرة فهذه تقترض مبلغا من المال وتلك تسألها عن حل لمشكلة المت بها واخرى تعطيها قسطا من المال فى جمعية اعدتها حماتى لبعض المعارف او الجيران لمساندتهم
هى التى ترشح احدى معارفها او قريباتها لخطبة احد المعارف او الاقارب وقد شهدت زيجات كثيرة كانت هى من وفق بين الزوجين
شهدت لها مواقف كثيرة لخلافات زوجية متعددة كادت ان تنتهى بالطلاق فكانت وباجادة تنهى كل هذة الخلافات بلا رجعة وبكل بساطة وهدوء وباقناع متعقل حكيم
كانت معطاءة وتجيد انكار الذات هى من تشترى حاجياتها من الاسواق هى من
تذهب لاختيار اثاث وملابس العروسين لمعارفها وجيرانها فضلا عن اقاربها حتى لو كبدها ذلك سفرا الى دمياط مثلا عند شراء اثاث
هى من تعد الطعام باكمله يوم الجمعة يوم التجمع الاسرى ببيتها وكانت تفعل ذلك بتصميم شديد الا يساعدها احد تجدها واقفة على خدمة ابنائها وازواجهم وشقيقاتها وهم يتناولون اشهى الاطعمة فى بيتها المتواضع الصغير الانيق اللامع الذى يملؤه الدفء
هى من تذهب الى جميع المصالح الحكومية والبنوك وخلافه لأنهاء حاجيات كل اقاربها فضلا عن ابنائها بالتوكيل الذى معها من معظم المحيطين بها فهى محل ثقة الجميع
لا تتوانى عن تقديم اى مساعدة لكل من يلجأ اليها وتفعل ذلك بكل رضا وسرور
لسانها يقطر بالدعاء لكل من يحتك بها حتى سائقى التاكسى حينما تركب
هى من تحضر الفواكهه من السوق وتصنع منها المربى لبناتها وشقيقاتها
وهى من تصنع اشهى انواع المخللات بدون طلب منهم وبدون تصنع او تكلف هذه هى طبيعتها
هى من تستذكر لاحفادها واولاد شقيقاتها الدروس البسيطة حين يكونون عندها لأنشغال ابائهم فى اعمالهم هى من تقرض المال ان احتاج احد
اصيبت بمرض السكر وارتفاع الضغط وقصور بالشرايين التاجية وهى فى اواخر الاربعينات من عمرها ومع ذلك كانت صلبة فى مواجهة المرض مجرد بعض من زيارات الاطباء الشهرية وكان لديها من العزيمة والارادة ما يكفيها الا ترقد فى سرير المرض طيلة حياتها
كانت تأبى الا ان تحضر علاجها النصف شهرى بنفسها هذا يا سيدى كان من تلقاء نفسها فهذه هى طبيعتها بدون تصنع بالرغم من عروض ابنائها واشقاءها المتكررة والمستمرة للقيام عنها بهذة الحاجيات
ماتت يا سيدى فجأة وبدون مقدمات صباح الاحد الماضى
ماتت وقدانتهى ابناؤها جميعم من الدراسة فى كليات متميزة و زوجتهم الاربعة زيجات موفقة بحمد الله ماتت ورأت بحمد الله احفادا من بناتها الثلاث وابنها
ماتت وهى بقمة عطائها ماتت يا سيدى أم زوجتى
فى( الشارع) وهى تقضى حاجيات لحفيدتها الكبرى
سقطت مغشيا عليها دون ان تتألم وحملت الى بيتها متوفاة فى دقائق معدودة
لو تسمح لى يا سيدى بسرد بضعة مواقف لها حدثت خلال الاسبوع الاخير من حياتها وبعض تعليقات من المعزين فيها لتعلم سيادتكم حجم فاجعتنا فى فقدانها
مع صبرنا وتحملنا وايماننا بقدر الله فهى من علمتنا ذلك
كانت يا سيدى فى المقابر الاسبوع الماضى لتشييع جنازة احدى جاراتها وذهبت لزيارة قبر زوجها المتوفى منذ اكثر من 26 عام وقالت ودموعها تنهمر (اوعى تقلق) تعال شوف ولادك مشرفنى ويشرفوك (زي الفل) هذه هى كلماتها على حد قول من ابلغنا بذلك والله يا سيدى طلبت من عامل المقابر ان ينظف ويرتب مدفن العائلة قبل وفاتها باسبوع
- وهى تسير مع حفيدتها فى مشوارها الاخير الذى رجعت منه محمولة وهى متوفاة
صادفها سرادق عزاء فسألت من المتوفى فأجيبت بأنه فلان احد الجيران فوقفت قارئة له الفاتحة وهى لا تعلم ان بينها وبين لقاء ربها ساعات قليلة
- ابن شقيقتها الشاب المتزوج حديثا فى شقة هى من سعت فى شرائها له بنفس العقار الذى تسكن فيه وهى والله يا سيدى من خطبت له زوجته
راها فى شرفة منزلها صباح يوم موتها سألها ان كانت تريد حاجيات من السوق وخلافه فردت بالنفى فسألها الدعاء فدعت له وهو لا يعلم انه سيفقدها بعد ساعات
- ابنتها الكبرى تعيش بأمريكا وقد تركت لها منذ أكثر من عام مالا لشراء شقة والله يا سيدى قد اشترت الشقة بالفعل قبل وفاتها بثلاثة ايام وعلقت رحمها الله
انها قد ارتاحت من ذلك العبء
(كانت خائفة ان تموت والنقود لديها قبل شراء الشقة)
- (اقامت لها ابنتها بامريكا جنازة باحد المساجد وصلوا عليها صلاة الغائب)
- (لها معارف بالسعودية بعد سماعهم لخبر وفاتها توجهوا مباشرة لمكة لأداء العمرة على روحها واقسم كثيرون انهم سوف يحجون عنها)
- (مش قادرة اتخيل انى حاطلع البلكونة الصبح وما شوفش وجه طنط الابيض المشرق البشوش)
ذلك تعليق فتاه صغيرة تسكن فى البيت المقابل لبيتها
- (انا كده اتحرمت من دعاء تيته لى وانا فى الامتحان) تعليق احمد 12 عام احد احفادها
- (ما تيجى كلنا نطلع عند ربنا نقعد مع تيته) تعليق صغرى الاحفاد 3 سنوات
- (وجهها منور وجميل كأنها طالعة الحج) تعليق السيدة التى قامت بغسلها
- جاءنا شاب يقدم واجب العزاء باكيا متأثرا لا نعرفه
تعرفت عليه رحمها الله قبل اسبوعين من وفاتها فهو من باع لها الشقة لابنتها وكتبت عقدها قبل وفاتها بثلاثة ايام
يقول لم أتأثر بموت احد بعد أمى سوى هذه السيدة التى لم أر فى بشاشة وجهها وطيب لسانها الذى يقطر بالدعاء دائما وقد طلبت منها الدعاء وقد احسست ان أمى تدعو لى مع اننى لم أكن اعرفها الا منذ اسبوعين
- لها جار( ابن عم من توفى قبلها بنفس الشارع وبنفس اليوم وقرأت له الفاتحة ) والله ياسيدى بعد سماعه لنبأ وفاتها تر ك جنازة ابن عمه وظل معنا طوال اليوم
- طلبت منى يا سيدى ان (اسجل لها ختمة قران فى موقع الداعية عمرو خالد فهى قد ختمت قراءة القران فى رمضان الماضى )
هذا قليل مما فى جعبتى يا سيدى
واخيرا لا أملك الا أن
أسألكم الدعاء لها بالرحمة ولنا بالصبر وبعض من كلماتكم الرقيقة تواسوننا بها والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
دكتور ثروت
زوج ابنتها رحمها الله
السبت، 24 أكتوبر 2009
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
هناك تعليق واحد:
رحمها الله الميت الحى فأمى حقا ماتت جسديا ولأكنها بقلبى وعقلى وروحى ألى أن يتوفانى الله وأرتمى بحضنها الذى ضل وسيضل يعانقنى ألى أن ألقاها متمنيا من الله أن أكون أول من تفتح له زراعيها لتحتضنى فى قبرها وأسألكم لها الرحمه والمغفره والعتق من النار والفوز بالجنه رحمها الله وأسكنها فسيح جناته لها الفاتحه
إرسال تعليق